( 000 - 136 هـ = 000 - 753 م)
أبو عثمان ربيعة بن فروخ التيمي بالولاء، المدني، أبو عثمان: فقيه أهل المدينة؛ أدرك جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وعنه أخذ مالك بن أنس رضي الله عنه. إمام حافظ فقيه مجتهد، كان بصيرا بالرأي (وأصحاب الرأي عند أهل الحديث، هم أصحاب القياس، لانهم يقولون برأيهم فيما لم يجدوا فيه حديثا أو أثرا) فلقب (ربيعة الرأي) وكان من الاجواد. أنفق على إخوانه أربعين ألف دينار ، توفي بالهاشمية من أرض الانبار وقيل بالمدينة .
قال عبد الوهاب بن عطاء الخفاف: حدثني مشايخ أهل المدينة أن فروخاً أبا ربيعة الرأي خرج في البعوث إلى خراسان أيام بني أمية غازياً وربيعة حمل في بطن أمه، وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار، فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة وهو راكب فرساً وفي يده رمح، فنزل ودفع الباب برمحه فخرج ربيعة، وقال: يا عدو الله، أتهجم على منزلي فقال فروخ: يا عدو الله، أنت دخلت على حرمي، فتؤاثبا وتلبب كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران، فبلغ مالك بن أنس والمشيخة فأتوا يعينون ربيعة، فجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان، وعل فروخ يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان وأنت مع امرأتي؛ وكثر الضجيج، فلما أبصروا بمالك سكتوا، فقال مالك: أيها الشيخ لك سعة في غير هذه الدار، فقال الشيخ: هي داري وأنا فروخ، فسمعت امرأته كلامه فخرجت وقالت: هذا زوجي، وهذا ابني الذي خلفه وأنا حامل به، فاعتنقا جميعاً وبكيا. فدخل فروخ المنزل وقال: هذا ابني فقالت: نعم، قال: أخرجي المال الذي لي عندك وهذه معي أربعة آلاف دينار، قالت: قد دفنته وأنا أخرجه بعد أيام، ثم خرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته، فأتاه مالك والحسن بن زيد وابن أبي علي اللهبي والمساحقي وأشراف أهل المدينة وأحدق الناس به، فقالت امرأته لزوجها فروخ: اخرج فصل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج فنظر إلى حلقة وافرة فأتاها فوقف عليها فأفرجوا له قليلاً فنكس ربيعة رأسه يوهمه أنه يره، وعليه دنية طويلة، فشك أبوه فيه، فقال: من هذا الرجل فقالوا: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فقال: فقد رفع الله ابني !، ورجع إلى منزله، وقال لوالدته: لقد رأيت ولدك على حالة ما رأيت أحداً من أهل العلم والفقه عليها، فقالت أمه: فأيما أحب إليك ثلاثون ألف دينار أو هذا الذي هو فيه فقال: لا والله بل هذا، فقالت: فإني أنفقت المال كله عليه، قال: فو الله ما ضيعته.
قيل كان ربيعة يكثر الكلام ، وكان يوماً في مجلسه وهو يتكلم، فوقف عليه أعرابي دخل من البادية فأطال الوقوف والإنصات إلى كلامه، فظن ربيعة أنه قد أعجبه كلامه، فقال له: يا أعرابي ما البلاغة عندكم؟ فقال: الإيجاز مع إصابة المعنى ، فقال: وما العي فقال: ما أنت فيه منذ اليوم ، فخجل ربيعة