هذا الموضوع قد يفيد الاخوه والاخوات اصحاب الاعمال ويلزمهم
فقط تزكية نفوسهم اما انا فلا زلت بعيد عن الاعمال حتى اغتر بها وكيف ونحن
في بلد الاشغال والانشغال وتعكير البال. ويالله السلامه
منقول
إن الغرور آفة مذمومة بغيضة، ذمها الشرع وبغضها، وهي أول معصية عصي بها
الله سبحانه وتعالى، وهي معصية إبليس في عدم إطاعته لله بالسجود لآدم، فما
منع إبليس من سجوده لآدم إلا تكبره وغروره، اغتر بمقامه عند الله، وظن أن
سبق خلقه لخلق آدم، وأن كونه مخلوق من النار، وآدم من الطين، أن ذلك هو
معيار التفضيل عند الله، ونسي أن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء {وإذ قلنا
للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من
الكافرين}(البقرة: 35).

وإذا كان الغرور مذموما لعامة الناس، فهو في شأن المتدين أشد بغضا وذما،
وهو آفة للأسف توجد أحيانا في بعض من يزعمون التدين، أو من تدينوا ولم
يتعمقوا في تدينهم، وكان تدينا ظاهريا، أو سطحيا. ولكي نقف على هذه
الظاهرة، لا بد من تناول مظاهرها، وأسبابها، وعلاجها.

حقيقتان:
قبل أن نتطرق لمظاهر غرور التدين، أود أن نقف على حقيقتين هامتين:

الأولى: ألا نستغرب إذا وجدنا هذا الداء في أحد من المتدينين،
فالمتدينون ليسوا ملائكة معصومين، هبطوا من السماوات العلى، وليسوا من طينة
غير طينة البشر، فقد رأينا بين صحابة رسول الله ? الزاني والزانية، وشارب
الخمر، وهم مسلمون مؤمنون ثبتت لهم صحبة رسول الله ?، ولذا يجب علينا ونحن
نتعامل مع البشر أيا كانوا ألا ننسى هذا الأمر.

الحقيقة الثانية: أن معاصي القلوب أشد خطرا من معاصي الجوارح،
وعلينا أن نوليها اهتماما أكبر من الدراسة والتشخيص والعلاج، فقد كانت
معصية آدم عليه السلام معصية جارحة، بأن أكل من الشجرة التي نهاه الله
تعالى عنها، ولذا سرعان ما استدرك وتاب إلى الله، وغفر الله له ذلك، {فتلقى
آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}(البقرة: 37). أما معصية
إبليس فقد كانت معصية قلب، وهي الكبر، فأورثه الكبر: العجب والعناد، فنتج
عن ذلك طرده من رحمة الله {قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج
إنك من الصاغرين}(الأعراف: 13?.
مظاهر غرور التدين:
ولغرور التدين مظاهر تبدو وتتضح، وبها يعلم الإنسان أنه مصاب بهذا الداء،
أو ببعض أعراضه، ومنها:

1- اعتقاد أنه على الحق وحده:
فهو لا يرى أحدا أقرب إلى الله في الطاعة، ولا إلى الصواب في الرأي سواه،
فهو إن تكلم فهو خير من يتكلم وينظر، ويرى غيره على خطأ، ولا احتمالية
لصواب رأيه، وإن كان لوجهة نظره وجاهة ودليل، فهو يقف من آراء الآخرين موقف
التسفيه والخفة، والهزء والسخرية، والتحقير والحط منها.

2- الفرح بالطاعة وإن كانت قليلة:
فهو إن فعل طاعة لا يقف منها موقف المؤمن الحذر من عدم قبولها، بل يفرح
بها، وليس الفرح في حد ذاته بالطاعة منهي عنه يقول تعالى: ?قل بفضل الله
وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون??يونس:58? ولكنه الفرح الذي
يجعله يأمن مكر الله، ويزهو بالطاعة.
3- التهوين من شأن المعصية:
فهو إن وقع في معصية وإن كانت من الصغائر نظر إليها نظرة الخفة والتهوين من
شأنها، وكأنها شيء عادي، لا حساب عليه، فهي صغيرة تكفرها صلاة ركعتين،
ونسي المسكين أنه ربما لا تقبل منه الركعتان، ولا العمل الذي يظن أنه يكفر،
وكم من صغائر جرت إلى كبائر.

4- الاغترار بحاله:
أن يرى الناس هلكى، ويرى نفسه ناجيا، وهو الهالك حقيقة، وفي ذلك يقول ?:
"إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس، فهو أهلكهم"?رواه أحمد ومسلم وأبو
داود?، وإنما قال ? ذلك، لأن هذا القول منه يدل على أنه مزدر لخلق الله،
مغتر بالله، آمن من مكره، غير خائف من سطوته، وكيف لا يخاف ويكفيه شرا
احتقاره لغيره، وتعظيمه لحاله؟??إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي?

5- التعالي على العصاة أو المخالفين:
فهو ينظر إلى من ابتلاهم الله بالمعصية نظرة التعالي، ونظرة الفوقية لنفسه،
والتحتية لغيره ممن ابتلوا بالمعاصي، وهو تصرف خطر على الإنسان، وكثيرا ما
يكثر هذا المظهر في تعامل الأخ المتدين مع أهله وذويه، من الأب والأم
والإخوة والأخوات، فهو ينظر إليهم بنظرة أنه من أهل الطاعة، وهم من أهل
المعصية، فهو يتعامل معهم بجفاء وغلظة وتعال، فهم أدنى من أن يعاشرهم
بالمعروف واللين والرفق، وأدنى من أن يخفض لهم الجناح.

6- عدم قبول النصيحة:
فهو يرى نفسه فوق النصح، وفوق التسديد، وبخاصة إذا جاءت النصيحة ممن يراهم
أقل منه علما، أو تدينا، فكيف لأمثالهم أن ينصحوا من هو خير منهم، كما يظن
بنفسه.

7- مقارنة حاله تدينا بغيره:
فهو دوما ينظر لحاله مع الله، وحاله في الدعوة، وحاله في العلم، إلى من هم
أقل منه دوما، فيطمئن إلى أنه على خير وإلى خير، فها هو فلان أقل منه تدينا
وطاعة وعلما.
وهناك مظاهر أخرى حتى لا نطيل، منها على سبيل الإيجاز: الاستبداد بالرأي،
وترك المشورة، واستجهال الناس والمخالفين لرأيه.
أسباب غرور التدين:
ولغرور التدين أسباب يحسن بنا أن نعرفها حتى يتيسر لنا العلاج من هذا الداء
الوبيل، وهي كما أرى:

1- سبب بيئي:
فالإنسان ابن بيئته، كما أنه ينتمي إلى شريحة من شرائح المجتمع، يتأثر
بتأثيرات المجتمع والبيئة التي يعيش فيها، فقد يكون سبب غرور التدين عنده:
أنه عاش في بيئة تحب الزهو والفخر والغرور، حتى وإن كانت متدينة، فقد يكون
تدينهم تدينا سطحيا، فهم إن أحسنوا لأحد منوا، وإن عفوا فخروا بذلك، وإن
كان من نسلهم أهل العلم لم يدعوا فرصة إلا وذكروها، وافتخروا بمجدهم، فيخرج
الأخ المتدين في وسط هذه البيئة فيرث السلوك وراثة ممن حوله، أو أن تكون
بيئته غير متدينة قبل التزامه، وتكون هذه من رواسب البيئة التي تربى فيها.

2- سبب علمي:
والسبب الثاني فيما أرى هو قلة العلم الشرعي لدى المتدين، فلمجرد أنه قرأ
كتابا أو كتابين، أو تراه قد رزق شيئا من العلم، ولم يغص في بحوره، تراه قد
انساق للغرور، والحكم على من هم أعلم منه من العلماء الكبار، أو منافستهم،
وجدالهم، ولذلك قال السلف: العلم ثلاثة أشبار، من بلغ الشبر الأول: تكبر،
ومن بلغ الشبر الثاني: تواضع، ومن بلغ الشبر الثالث: أيقن أنه يجهل الكثير.
وكثيرا ما نرى هذه النماذج في حياتنا الدعوية، من شباب أغرار أحداث في
الدعوة، ينصبون أنفسهم للحكم على العلماء الكبار. فهذا المسكين تخيل نفسه
عالما يجلس يقيم علماء الأمة، وكأنه قاض في محكمة يشق عن قلوبهم وعقولهم.
وكثيرا ما أقابل أناسا من هؤلاء يسول لهم تدينهم: أنهم بمجرد أن نظروا في
فهرس كتاب، وعلموا رؤوس الموضوعات، أو سماعهم لمجموعة محاضرات لبعض المشايخ
والعلماء: أنهم صاروا علماء وأهل علم، وما سواهم فهم جهلة، وليس عندهم
إخلاص في دعوتهم إلى الله.

3- سبب تربوي:
والسبب الثالث الذي يجلب الغرور على المتدين: هو أنه يعنى بالعلم والقراءة،
ولا يعنى بتزكية نفسه، أو يدخل في دعوة من الدعوات أو جماعة من الجماعات،
من باب العلم وفقط، فلا يعنيه من العلم إلا أبواب فكرية وسياسية وثقافية
وعقدية، وفقط، أما أن يعنى بتزكية نفسه وتهذيبها، فهو في غنى عن ذلك، إذ
إنه حسب وجهة نظره بالعلم يبلغ كل شيء، فهو طريق الجنة وحده، ونسي أن
الإسلام علم وعمل، وخلق وتزكية، ولا يقف عند باب العلم فقط، ولذا كان السلف
رحمهم الله يحرصون على تزكية نفسه، بل ربما أحجم بعضهم عن التحديث
والخطابة إلا إذا زكى أنفسهم لدرجة تسمح له بتحديث الناس ودعوتهم، فقد كان
القوم دوما يراجعون أنفسهم، ويتعهدونها بالتربية والتزكية ?قد أفلح من
زكاها??الشمس:9?.

آثار غرور التدين:
لغرور التدين آثار سيئة على صاحبه، إن لم يوفقه الله للتخلص منه، فهو يجلب
عليه العقوبة في الدنيا والآخرة.

آثاره في الآخرة:
أما آثاره السيئة في الآخرة فمنها:
عقاب الله وعذابه الشديد لصاحبه، يقول في ذلك ?: قال الله تعالى: "الكبرياء
ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني فيهما قصمته"?رواه احمد وأبوداود وابن
ماجه?، وقال ?: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء
بنفسه"?رواه الطبراني?.

آثاره في الدنيا:
أما في الدنيا فمن آثاره:

1- نزع البركة من العمل وحبوطه:
أول آثار غرور التدين في الدنيا: أنها تنزع بركة العمل الصالح عن صاحبه،
وتصيبه بحبوط العمل، وعدم قبوله، وسيطرة الشيطان عليه، إذ لا يقبل الله إلا
العمل الخالص لوجهه فقط، فقد ذكر رجل بخير للنبي ?، فأقبل ذات يوم،
فقالوا: يا رسول الله هذا الذي ذكرناه لك، فقال: "إني أرى في وجهه سفعة من
الشيطان" فسلم ووقف على النبي ?، فقال له النبي ?: "أسألك بالله، حدثتك
نفسك: أن ليس في القوم أفضل منك؟ قال: اللهم نعم"?رواه أبويعلى
والدارقطني?.

2- بغض الناس ونفورهم منه:
فالناس لا تحب من المتدين أن يكون متعاليا مغرورا، وقد تجد أناسا يكرهون
التدين، ولا يستجيبون للداعية، ليس ذلك بغضا منهم للتدين، بل هو بغض منهم
لحامل الدعوة.


علاج غرور التدين:
1- تذكر عظمة الله:
فأول ما يجب على المبتلى بهذا الداء، أن يذكر شيئا هو من لوازم إيمانه
بالله: أن العظمة لله وحده، لا يشاركه فيها أحد، وقد قال الله تعالى في
الحديث القدسي: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني فيهما
قصمته"?رواه احمد وأبوداود وابن ماجه?، فمن سولت له نفسه شيئاً من الغرور
فليذكر هذا دوما.

2- العناية بتهذيب النفس:
وعليه أن يعنى بتهذيب نفسه، واتهامها دوما بالتقصير، فإن الإنسان الذي يرخي
العنان لنفسه وهواها تودي به إلى المهالك، فالنفس دوما تحب مدحها، وأنها
على خير دون الناس، وتنسى أن ما كان لها أن تهتدي إلا بتوفيق الله وحده،
فلا بد للمسلم أن يظل دوما متهما لنفسه بالتقصير، رحم الله عطاء السلمي كان
يقول حين تهب ريح، أو تقع صاعقة: ما يصيب الناس ما يصيبهم إلا بسببي، ولو
مات عطاء لتخلصوا. وكان أحد السلف يقول عند انصرافه من عرفات: كنت أرجو
الرحمة لجميعهم، لولا كوني فيهم.
فلا بد له دوما من تقوية علاقته بالله، ووضع برنامج تربوي تهذيبي له، يزيد
من إيمانه، ويزكي من نفسه.

3- رد أصل كل نعمة إلى صاحبها وهو الله:
فلا توجد نعمة إلا ولها منعم، وهو الله سبحانه وتعالى ?وما بكم من نعمة فمن
الله??النحل:53?: فنعمة الهداية لولا أن الله منحها إياه، لكان ممن ضل
وشقي، فليست الهداية بذكائه ولا بحنكته، يقول تعالى: ?بل الله يمن عليكم أن
هداكم للإيمان??الحجرات:17?
4- القراءة في سير المتواضعين والمغرورين:
فليقرأ عن تواضعهم، واتهامهم لأنفسهم بالضعف والتقصير، وعدم أمنهم لمكر
الله، وليقرأ في ذلك قول أبي بكر الصديق: لو أن إحدى قدمي في الجنة،
والأخرى خارجها، ما أمنت مكر الله. وهذا هو أبو بكر الذي قيل في إيمانه: لو
وزن بإيمان الأمة لرجح إيمان أبي بكر، فليقرأ ليسأل نفسه دوما: أين نحن من
إيمانهم وسلوكهم وتواضعهم وإنكار ذاتهم؟?
وكذلك عليه بقراءة سير المغرورين، فبقراءة سيرتهم يعتبر الإنسان، وينظر كيف
انتهت بهم حياة الغرور، وكيف كانت نهايتهم الوبيلة، وكيف خسروا في الدنيا
والآخرة؟?

5- تعميق الجانب الشرعي والثقافي:
فالإنسان كلما ارتقى وقرأ وعلم، كلا ازداد تواضعا، وثقة بأنه كان يجهل
كثيرا، ورحم الله السلف الذين كانوا كلما ازدادوا علما، اتهموا أنفسهم
بالجهل. فالعلم يزيد الإنسان تواضعا، واتهاما لعلمه بالقلة والضعف.

6- التأمل والتفكر في خلق النفس:
فماذا يكون الإنسان حتى يغتر، ويتعالى ويتكبر، لينظر إلى حاله قبل الولادة
وحاله بعد الوفاة، كما قال أحد السلف: يا بن آدم إنما أنت بدايتك نطفة
مذرة، ونهايتك جيفة قذرة، وبين ذلك تحمل العَذْرَة. أي أنه يحمل بداخله
البولة. فعلام يغتر، ويتعالى؟?